ترجمة خاصة - شبكة قُدس: نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرًا مطولًا أشارت فيه إلى أنّ مكانة “إسرائيل” الدولية، التي عانت من اهتزازات منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر 2023، دخلت في الأسابيع الأخيرة مرحلة تراجع أكثر حدة، حتى مع دول أوروبية تُعتبر حليفة تقليدية لها. ويأتي ذلك بالتزامن مع استعداد جيش الاحتلال لعملية عسكرية واسعة في مدينة غزة، ما زاد من حدة الانتقادات الغربية.
وبحسب الصحيفة، فقد شكّل تصريح نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية تيريزا ريبيرا في باريس ذروة التصعيد، حين اتهمت “إسرائيل” بارتكاب إبادة جماعية في غزة، معتبرة أنّ المأساة الإنسانية في القطاع تكشف فشل أوروبا في تبني موقف موحد، حتى مع تصاعد المظاهرات الداعية لوقف الحرب.
التقرير لفت إلى أنّ فرنسا باتت “المحرّك” الأبرز لهذا التوجه. فالرئيس إيمانويل ماكرون أعلن عزمه الاعتراف بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكّدًا تمسّكه بالقرار رغم رفض نتنياهو استقباله في تل أبيب إذا لم يتراجع عنه. الهجوم الإسرائيلي لم يتأخر، إذ اتهم وزير الخارجية جدعون ساعر ماكرون بالتدخل في نزاع لا يخصه، بينما رد وزير الخارجية الفرنسي بالتأكيد أنّ مبادرة باريس دفعت السلطة الفلسطينية لوقف دفع رواتب الأسرى، وهو ما قوبل بتشكيك إسرائيلي.
وذكرت يديعوت أحرونوت أنّ بلجيكا انضمت إلى هذا المسار، فأعلنت اعترافًا وشيكًا بفلسطين وأرفقته بحزمة عقوبات ضد “إسرائيل”، شملت حظر استيراد منتجات المستوطنات وتقييد التعاون القنصلي والتجاري، إضافة إلى إدراج وزراء من اليمين الإسرائيلي ضمن قوائم “شخصيات غير مرغوب بها”. نتنياهو ردّ باتهام رئيس الحكومة البلجيكية بالخضوع “للإرهاب الإسلامي”.
بريطانيا بدورها رفعت منسوب الانتقاد، إذ هدّد رئيس الوزراء كير ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطينية إذا لم تغيّر “إسرائيل” سلوكها. وزير الخارجية ديفيد لامي وصف مشاهد الجوع في غزة بأنها “مجاعة من صنع الإنسان في القرن الحادي والعشرين”، وأعلن عن نقل أطفال جرحى ومرضى من القطاع للعلاج في بريطانيا، إلى جانب تسهيلات للطلبة الفلسطينيين.
حتى إيطاليا، التي تُعتبر صديقة مقربة للاحتلال، لم تُخفِ غضبها بعد حادثة قصف جوي إسرائيلي قرب قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان. وزير الدفاع الإيطالي شدّد على أن تبريرات “إسرائيل” المعتادة لم تعد كافية، فيما وصفت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني هجمات الاحتلال في غزة بأنها “غير متناسبة”، داعية إلى وقف الاستيطان في الضفة الغربية.
أما إسبانيا، فقد حافظت على لهجتها الصارمة، إذ صرّح رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أن “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية، مؤكدًا أنّ الموقف الأوروبي المزدوج بين أوكرانيا وغزة يضعف صدقية الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية.
التقرير أشار أيضًا إلى أنّ تركيا صعّدت مواقفها، فأعلنت قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع “إسرائيل” وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الرسمية والعسكرية التي تنقل أسلحة. الخارجية التركية اتهمت الاحتلال بالسعي لتحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة لإجبار السكان على الرحيل، بينما رد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بوصف أنقرة بـ”حماس”.
حتى الولايات المتحدة لم تُوفّر “إسرائيل” من النقد. الرئيس السابق دونالد ترامب، المعروف بدعمه القوي لنتنياهو، قال في مقابلة صحفية إن استمرار الحرب يضر بصورة “إسرائيل” في الكونغرس والعالم، مضيفًا أنّها “قد تكسب عسكريًا لكنها تخسر حرب العلاقات العامة”، مشيرًا إلى تراجع قوة اللوبي الإسرائيلي مقارنة بما كان عليه قبل عقدين.
وختمت يديعوت أحرونوت تقريرها بالتأكيد على أنّ “إسرائيل” تواجه عزلة متصاعدة وعلاقات خارجية مأزومة، وأن خيارها بالاستمرار في الحرب واحتلال غزة يقترن بتداعيات سياسية ودبلوماسية واقتصادية قد تكون الأخطر منذ عقود.